تابع الجزائريون، أمس، العرض العسكري الضخم الذي جرى بالعاصمة بمناسبة الذكرى الـ 60 للاستقلال، وسط احتفالات كبيرة، في وقت كان عشرات المواطنين يقفون أمام السجون يترقبون خروج ذويهم في إطار «إجراءات عفو وتهدئة»، تعهدت بها الحكومة، من بينهم نشطاء من الحراك المعارض لسياسات السلطة.واستعرضت القوات المسلحة تشكيلات لها على الطريق السريع، الذي يربط وسط العاصمة بضاحيتها الشرقية، وتحديدا أمام «الجامع الكبير»، حيث كان الرئيس عبد المجيد تبون وضيوفه الأجانب يتابعون الاستعراض العسكري، وتحليق طائرات للتدريب القاعدي والمتقدم، مع تشكيل جوي لطائرة تدريب متقدم لطيران النقل، مرفوقة بطائرتين للتدريب القاعدي والمتقدم.
وحلق فوق المنصة الشرفية تشكيل جوي لثماني طائرات للتدريب المتقدم والإسناد الناري، وتشكيل ثلاثي لطائرات النقل التكتيكي، إضافة إلى تشكيل ثلاثي لطائرات استطلاعية متعددة المهام، وسرب لثلاث طائرات للنقل، إلى جانب طائرة للنقل التكتيكي. كما استعرض طيارو القوات الجوية عملية التزود بالوقود لطائرات مقاتلة من صنع روسي. وفي نهاية الاستعراض الجوي تم تشكيل رباعية طائرات مقاتلة تتقدمه طائرتان للقصف. وكانت المناسبة فرصة للجزائر لإبراز قدراتها في مجالات الدفاع والتسليح.
وحضر المناسبة قادة ومسؤولون بحكومات أجنبية، أبرزهم الرئيس التونسي قيس سعيد، ورئيس النيجر محمد بازوم، ورئيسة إثيوبيا وورك زودي ورئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس، ورئيس الكونغو ديني ساسو نغيسو. وماريا إليزابيث ألبيرتي كازولاني، رئيسة مجلس الشيوخ الإيطالي، إضافة إلى إبراهيم غالي الأمين العام للبوليساريو، ونجلاء المنقوش وزيرة خارجية ليبيا، والشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان وزير التسامح بحكومة الإمارات العربية المتحدة. كما حضرها وفد من حماس يرأسهم إسماعيل هنية.
وقال الرئيس تبون في خطاب أمس إن الجزائريين «مدعوون في ظرف محفوف بالتحديات للمساهمة في تثبيت مرتكزات دولة المؤسسات والحقّ والقانون… دولة تتكرس فيها روح المواطنة وقيم التضامن، ويتجذر فيها الشعور بالواجب الوطني».
في سياق ذلك أصدرت الرئاسة الفرنسية بيانا، قالت فيه إن الذكرى الستين لاستقلال الجزائر «تشكّل فرصة لرئيس الجمهورية لكي يرسل إلى الرئيس تبّون رسالة يعبّر فيها عن تمنياته للشعب الجزائري، ويبدي أمله بمواصلة تعزيز العلاقات القوية أصلاً بين فرنسا والجزائر». ونقل البيان عن ماكرون «تأكيده مجدّداً التزامه مواصلة عملية الاعتراف بالحقيقة، والمصالحة لذاكرتي الشعبين الجزائري والفرنسي».
ويحاول البلدان منذ سنين طويلة معالجة «ملف الذاكرة». لكن تصريحات ممجدة للاستعمار، أحيانا، من جانب الفرنسيين، أعاقت خطوات ضمن هذا التوجه. وتطالب الجزائر بإعلان صريح بأن الاستعمار كان جريمة ضد الإنسانية، وبتقديم الاعتذار عن 132 سنة من الاحتلال. بينما يرى الفرنسيون في مبادرة كهذه «إعلانا عن توبة» يرفضونها بشدة.
في غضون ذلك، وفي إطار «إجراءات التهدئة»، التي تعهد بها الرئيس تبون عشية الاحتفالات، غادر أمس بعض معتقلي الحراك السجون، أغلبهم دخلها بسبب التعبير عن رأي مخالف للحكومة. وتم تكييف ذلك بأنه «تهديد للوحدة الوطنية» و«مس بالأمن العام». ويتوقع أن يستمر الإفراج عنهم اليوم وغدا.
وتقول الجماعات الحقوقية إن عدد معتقلي الرأي يصل إلى 300، في حين ترفض السلطات أن تعترف لهم بهذه الصفة، وتعتبرهم «مخالفين للقانون وجبت متابعتهم قضائيا».
كما شملت الإجراءات عفوا عن مساجين «الحق العام»، الذين صدرت بحقهم أحكام قضائية نهائية، خالية من كل أصناف الطعون، وعددهم يفوق 1400، حسب تقديرات وزارة العدل. وأصدرت الرئاسة تدابير عفو استثنائية لفائدة المحبوسين المحكوم عليهم نهائياً بعقوبة الإعدام أو السجن المؤبد، واستبدالها بالسجن 20 سنة. وشملت أيضا المحبوسين من مرضى السرطان والقصور الكلوي، والناجحين في شهادات التعليم المتوسط والتكوين المهني والباكالوريا، حيث تخفض عقوبتهم 24 شهراً.
وبهذا الخصوص أعلنت الرئاسة أنها بصدد إعداد «قانون خاص» لفائدة المحكوم عليهم نهائيا (سجناء التسعينيات)، وهذا امتداد لقانوني الرحمة (1995) والوئام المدني (1999). والقانونان كانا بمثابة عرض لأعضاء الجماعات الإسلامية المسلحة منحهم فرصة لوضع السلاح، في مقابل إلغاء أحكام الإعدام التي صدرت غيابيا عنهم، كما أتاح لهم العودة إلى الحياة العادية. وفي 2006 صدر قانون آخر سمي «السلم والمصالحة الوطنية»، تضمن نفس الفكرة.