شهدت أسواق المال في منطقة الشرق الأوسط تراجعاً ملحوظاً في زخم الاكتتابات العامة الأولية خلال عام 2025، حيث انخفضت عمليات الإدراج بنسبة تتجاوز الثلث مقارنة بالعام الماضي، لتصل إلى أضعف مستوياتها منذ عام 2020. وأظهرت بيانات منصة “Dealogic” أن الشركات في المنطقة جمعت نحو 6.5 مليار دولار بنهاية نوفمبر، مقابل 9.9 مليار دولار في الفترة ذاتها من عام 2024.
أرجع محللون هذا الانكماش إلى ضغوط انخفاض أسعار النفط التي أثرت على الميزانيات الاقتصادية، لا سيما في المملكة العربية السعودية، بالإضافة إلى الأداء الضعيف لأسهم الشركات التي طُرحت حديثاً، مما دفع المستثمرين إلى تبني نهج أكثر حذراً في تقييم الفرص المتاحة، وفق صحيفة “فينانشال تايمز”.
ويأتي هذا التباطؤ بعد فترة من الزخم القوي أعقبت جائحة كورونا، حيث بلغت الاكتتابات ذروتها في عام 2022 بجمع 22.5 مليار دولار.
ويرى خبراء أن السوق يمر حالياً بمرحلة “تقييم المستويات”، حيث لم يعد المستثمرون يندفعون نحو الطروحات الجديدة كما كان الحال سابقاً، خاصة مع قلة عمليات الخصخصة لشركات كبرى مملوكة للدولة.
وتزامن هذا الركود مع تحولات في الأسواق العالمية، حيث عادت الصين لجذب الاستثمارات مجدداً، في وقت شهد فيه الدولار الأمريكي ضعفاً أمام عملات الأسواق الناشئة، مما خلق بيئة تنافسية شديدة للأسواق الخليجية التي كانت تستفيد سابقاً من قوة العملة الأمريكية وضغوط السوق الصيني.
تحديات في الإمارات والسعودية
على صعيد الأسواق الإماراتية، سجلت بورصتا دبي وأبوظبي مليار دولار فقط من الاكتتابات هذا العام، وهو انخفاض حاد مقارنة بـ 6 مليارات دولار في العام الماضي. وتأثرت السوق بتأجيل إدراج “الاتحاد للطيران” وسحب شركة “دوبيزل” لخطة الطرح وانتظار توقيت أمثل.
أما في المملكة العربية السعودية، فرغم نجاح 36 شركة في الانضمام لسوق “تداول” وجمع 4 مليارات دولار، يواجه السوق تحديات تتعلق بانخفاض أسعار النفط، وتراجع مؤشر الأسهم بنحو 12% منذ بداية العام. كما شهد الشهر الحالي إلغاء شركة “EFSIM” السعودية لطرحها العام، في إشارة واضحة لميل المستثمرين نحو الكيانات الحكومية الضخمة التي تضمن أرباحاً ثابتة بعيداً عن تقلبات الشركات الخاصة.
وزاد الأداء السعري المخيب لبعض الطروحات البارزة من حدة القلق في أروقة البورصات الخليجية؛ حيث تراجعت أسهم شركة “توصيل الطلبات” بنسبة 25% منذ إدراجها في دبي بنهاية 2024، كما هوت أسهم “لولو ريتيل” بنحو 40% منذ طرحها في أبوظبي، وخسرت “سبينس” 6% من قيمتها.
ورغم هذه التحديات، برزت بعض النقاط المضيئة في دبي مدعومة بطفرة العقارات، حيث جمعت شركة الإنشاءات “أليك” وصندوق استثمار عقاري تابع لـ “دبي القابضة” مبالغ جيدة. ومع ذلك، يظل الحذر سيد الموقف في ظل مراقبة السياسات الاقتصادية العالمية وتوجهات الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، التي قد تزيد من حالة عدم اليقين في أسواق الطاقة والمال العالمية خلال العام القادم.
