أكد الدكتور عاصم الجزار، وزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية، خلال كلمته في افتتاح المرحلة الأولى بمدينة المنصورة الجديدة، بتشريف الرئيس عبدالفتاح السيسى، رئيس الجمهورية، أننا نجنى اليوم إحدى ثمار خطة التنمية الاقتصادية للجمهورية الجديدة، موضحاً أن العمران فى مفهوم الدولة المصرية هو وعاء التنمية، ولا يمكن لأى تنمية أن تتم بدون هذا الوعاء، فالبناء ليس هدفا في حد ذاته، لكن الهدف الأساسى، هو الاقتصاد، وتوفير جودة الحياة للمواطنين.
واستعرض الدكتور عاصم الجزار الحالة العمرانية لإقليم الدلتا فى عام 2022، والذى يضم 5 محافظات (دميـاط – الدقهليـة – الغربيـة – كفر الشيـخ – المنوفيـة)، ويسكنه 20.6 مليون نسمة، بما نسبته 21.1 % من إجمالي سكان الجمهورية، يعيشون على مساحة 12 ألف كم2، تمثل 1.2 فقط من مساحة الجمهورية، وهو ثانى أكبر إقليم من حيث حجم السكان بعد إقليم القاهرة الكبرى، إلا أن لديه أقل الفرص لاستيعاب العمران “وعاء التنمية” للسكان والأنشطة، فهو ممتلئ عن آخره سواء بالأنشطة الاقتصادية الأساسية، حيث يعتمد الإقليم على النشاط الزراعى والصيد كأنشطة أساسية، فهو بالأساس إقليم ريفى، وكذا كثافات سكانية مرتفعة،وفقا لبيان.
وتناول وزير الإسكان، الحالة العمرانية لإقليم الدلتا، وذلك من حيث التكـدس السكـاني وفـرص الامتـداد العمرانــي، حيثُ يُعد إقليم الدلتا أعلى إقليم من حيث الكثافة الإجمالية والتى بلغت 1750 فرد / كم2 (الدلتا) – 100 فرد / كم2 (الجمهورية)، وهذه كثافات مرتفعة (أكثر من 400 شخص / فدان) وخاصة بعواصم المحافظات، هذا بجانب محدودية المناطـق المتاحة لتوفير الخدمات والأنشطة الاقتصادية والمناطق الخضراء لتحسين جودة الحياة، فإذا كانت حالة الإقليم بهذا الشكل، كيف يمكن تحقيق التنمية الاقتصادية بالإقليم، ورفع جودة حياة المواطن اقتصاديا، فى ظل التكدس السكانى، وانعدام فرص الامتداد.
وأضاف الوزير: من ظواهر المحتوى العمراني فى الدلتا، عدم الاتزان فى توزيع السكان بين الحضر والريف، فـ28 % فقط من سكان الدلتا يسكنون بالمدن (سكان الحضر)، بينما نسبة سكان الحضر على مستوى الجمهورية 45 %، ونسبة الحضر على مستوى العالم 55 % من السكان، يعزى إليهم 70 : 75 % من الناتج المحلي الإجمالي على مستوى العالم، وبالتالي فإن الأرقام تؤكد لنا أن اقتصاديات إقليم الدلتا ضعيفة، تنعكس على قلة فرص العمل، وبالتالي البطالة، وضعف مستوى الخدمات، ومحدودية فرص النمو، فهذه المؤشرات توضح لنا القرارات الواجب اتخاذها لتصحيح المسار، وإعادة توجيهه.
وأشار وزير الإسكان، إلى مظاهر تريف الحضــر، ومنها، تحول غالبيــة المدن بالدلتـا من قـري ريفيـة إلي تجمعـات حضرية، فقد كان عدد المدن بالدلتـا 40 مدينة فى عام 1970، ووصلت إلى 60 مدينة فى عام 2022، فالـ20 مدينة التى زادت خلال الفترة الماضية، هى عبارة عن قرى زاد حجمها السكانى، وتحولت إلى مدن، حيث يعد إقليم الدلتا واحداً من أكثر الأقاليم فى معدلات الزيادة السكانية، وهذا ما يؤدى لعدم وجود فرص تنموية داخلية بالإقليم، ولكن فى الحقيقة هذه المدن ما زالت تمتاز بالطابع الريفى، ومعظم سكانها يعملون بالنشاط الزراعى أو الصيد، وبالتالي فإن نسبة الـ28 % من سكان الحضر، ليس حضرا حقيقياً، بل حضر متريف.
وتابع الوزير حديثه عن الظاهرة الثالثة، والتى أدت إلى الظاهرتين السابقتين، وهى ظاهرة التلاحم بين المدن والقري أو العزب المتامخة، ونتج عن ذلك عمران المدن (عمران ريفي)، وتساءل الوزير.. هل الحل فى توسعــة الأحــوزة العمرانيــة للمــدن ؟؟ لاستيعاب جزء من الزيادة السكانية وتوفير الخدمات والأنشطة الاقتصادية، حيث إن توسعة الأحوزة العمرانية فى المقام الأول هو قرار اقتصادي.
وأضاف: للإجابة عن هذا السؤال، نستعرض النمــو العشوائــي للمدن خارج الحيز العمراني، حيث بلغت الأراضي المضـافة إلى الحيـز بما يعـادل 25 – 39 % ما بين عامى 2010 – 2012، حيث بدأ إعداد مخططات عمرانية لمعظم مدن الدلتا، وتم إضافة تلك المساحات، وهى مساحات كبيرة جداً في من مساحة الكتلة، وخلال فترة الـ12 الماضية، ظلت 45 – 70 % من المساحات المضافة للحيز غير منماة، وبلغ حجم النمو العشوائي خارج الحيز العمراني ما يعادل 15 – 40 % من المساحة المضافة للأحوزة العمرانية، مما يعنى أن الحل لا يكمن فى توسيع الأحوزة العمرانية، لأن توسعة الاحوزة العمرانية يعنى هدر الأرض الزراعية، فالمواطن يفضل البناء على أرضه الخاصة، والدليل على ذلك عدم تنمية معظم الأراضى المضافة للحيز، والتوسع العشوائى، فليس هناك طلب حقيقي مقترنا بالقدرة الاقتصادية، وليس هناك أنشطة اقتصادية تسمح بزيادة هذا الطلب، موضحاً أن معدل نصيب الفرد من الأراضي الزراعية، وهى النشاط الأساسى فى إقليم الدلتا، هو قيراط ونصف القيراط، وعند قسمة المنتج من تلك المساحة على عدد السكان، يساوى فقرا، ولذا يجب التدخل بشكل آخر غير توسعة الأحوزة العمرانية، والتى تأتى على حساب النشاط الرئيسي فى هذا الإقليم.
واستعرض وزير الإسكان، نسبة النمو العشوائي خارج المساحة المضافة للحيز، والمساحة المضافة للحيز العمراني، والكتلة العمرانية الحالية لعدد من عواصم محافظات الدلتا والمدن متوسطة الحجم، كما استعرض حالة مدينة المنصورة عام 2010، حيث كانت مساحتها 4450 فداناً يقطنها 470 ألف نسمة، وبلغت المساحة المضافة للكتلة العمرانية 1550 فـداناً، والتى تعادل 35 % من مساحة الكتلة، ليصل إجمالى الحيز العمراني 6 آلاف فدان، تستوعب 640 ألف نسمة حتى عام 2032، وعلى الرغم من توسعة الحيز العمرانى للمدينة بنسبة الثلث، إلا أن المساحة التى تمت تنميتها من الحيز المضاف 31 % وتم استخدامها فى بناء الإسكان فقط دون الخدمات، وفى الوقت نفسه استمر النمو العشوائى خارج الحيز على مساحة 300 فدان، بما يعادل 20 % من المساحة المضافة للحيز العمراني، وعلى المستوى الإجمالي من 22 : 30 % من العمران المضاف فى آخر 15 سنة خارج الأحوزة العمرانية، وهناك مساحات داخل الأحوزة العمرانية المعتمدة منذ عام 1985 ما زالت غير منماة حتى الآن.
واستطرد الدكتور عاصم الجزار، في كلمته متسائلاً.. هل بدأ العمران الحضري فى الدلتا مشوهاً، أم أصابه الخلل، وما هي أسباب ذلك؟ ثم بدأ فى استعراض حالة العمران الحضـــري القديــم لمدن الدلتـــا، فقد كان عمراناً يهتم بالمقياس الإنساني، ويهتم بالفرد، ويهتم بالمناطق الخضراء والمفتوحة، ويعكس ثقافة المجتمع، ويؤكد على الالتزام بالقواعد والنظم التخطيطية والبنائية، وبذلك يحقق كل ما جاءت به مؤشرات البند السابع بالاستراتيجية الوطنية لحقوق الإنسان، والذى ينص على “الحــق فى السكــن اللائق”، ودلل على ذلك بعرض صور للعمران الحضـــري القديــم فى عدد من المدن (شربين – المنصورة – طنطا – المنصورة)، وصور توضح الفرق بين وسط المدينة قديماً وحديثاً، حيث إنه حتى فى حالة الحفاظ على الشكل العمراني القديم، حدث تشوه بالبيئة العمرانية نتيجة تجاوز كثافة السكان والأنشطة (انتفاع على مستوى الفرد، وخسارة على مستوى المجتمع)، وقديما كان الهدف تعظيم القيم الحضرية والاهتمام بالمقياس الإنساني إلا أن التركيز أصبح حالياً علي القيم المادية وحدها (ثقافة الزحام وعمران بلا هوية).
وأوضح الوزير، أن العمران الحالى، هو استغلال جائر وغير رشيد للأراضـي، وفقـدان الهويــة (ريفـي – حضـري – مختـلط)، ولا يمكن أن يكون مسكناً، لأن السكن يعنى الهدوء والسكون، ولا يحقق الحق في السكن، بخلاف العمران القديم، ومن سماته، إهدار الأراضي الزراعية سعياً وراء قيمة زائفة، وتداخل الأنشطة وتكدس الاستخدامات ” تجاوز القيم الإنسانية للعمران وتشوه بصرى”، ونمو عشوائي ذى طابع ريفي علي الأراضي الزراعية بهوامش العمران الحضري (تريف الحضر)، ولذا كـان لا بـد من التدخل لمراجعـة وتقييــم الأوضـاع واتخاذ إجـراءات تصحيـــح المســــار، لتوفير جودة الحياة لأهالينا فى تلك المناطق، وإيجاد أنشطة اقتصادية وفرص عمل فى إطار تحقيق الخطة الاقتصادية، لأن الإنسان يسكن حيث يعمل لا العكس، وتضمنت هذه الإجراءات ما يلي: تطوير ورفع كفاءة العمران القائم (وبالأخص عواصم المحافظات)، ومن أمثلة ذلك تطوير منطقة المدابغ بالقاهرة، فبعد تطويرها جاءت الكثير من الطلبات لتشغيل فندقين بتلك المنطقة، وهذا يؤكد أن رفع كفاءة العمران يعود بالنفع على الاقتصاد، وخلخلـة الكثافـة السكانيـة بمدن الدلتـا عن طريـق إنشـاء مـدن جديـدة، وتحقيـق اتـزان النسـق العمرانـي بالدلتـا من خلال زيـادة معـدلات التحضر، وربط الزيادة السكانية بأنشطة توجد قواعد اقتصادية، ترفع المستوى الاقتصادي للمواطن، وزيادة عدد الوحدات السكنية بالمدن الجديدة والمدن القائمة (برنامج سكن كل المصريين)، وسد العجز بالأنشطـة الاقتصاديـة والخدميـة عن طريق توفيرها في مناطق التنمية العمرانية الجديدة، لخدمة مدن وقري إقليم الدلتا.