أظهرت السلطات المغربية عزيمة كبيرة لتنفيذ برنامجها الطموح المتمثل في بناء محطات تحلية مياه البحر، وهي تسير الآن نحو تشييد أكبر محطة في أفريقيا، للابتعاد تدريجيا عن خط الفقر المائي، بعد أن صار مشكلة استراتيجية للبلد في ظل تواصل الجفاف، الذي ضرب شمال القارة خلال السنوات الأخيرة.
وتسعى السلطات المغربية إلى تسريع وتيرة تنفيذ برنامجها المتعلق بتشييد محطات تحلية مياه البحر كأحد الحلول البديلة لتغطية العجز الحاصل في المياه بالبلاد ضمن استراتيجية يشرف عليها العاهل المغربي الملك محمد السادس، ومتحدية كل العوائق التي سببها الوباء.
وتشكو العديد من جهات البلاد من نقص كبير في الماء الصالح للشرب نتيجة جفاف السدود التي كانت الرباط تعتمد عليها بشكل رئيسي لتغطية حاجة السكان في فترات احتباس الأمطار.
وكشف وزير التجهيز والنقل والإمدادات والماء عبدالقادر اعمارة خلال مداخلة أمام لجنة البنى التحتية والطاقة والمعادن في مجلس النواب الخميس الماضي، عن مشروع لبناء محطة لتحلية المياه ستقام في مدينة الدار البيضاء، وهي تعتبر الأكبر في أفريقيا.
وقال اعمارة إن “التحول الذي سيحصل في المغرب هو إحداث أكبر محطة لتحلية مياه البحر على مستوى أفريقيا، بطاقة 300 مليون متر مكعب سنويا، حيث من المتوقع أن تحدث تحولا بنيويا في قضية الماء ببلادنا”.
وتؤكد الحكومة أن المشروع سيكون بالشراكة بين القطاعين العام والخاص ويحتاج إلى استثمارات بقيمة 1.97 مليار درهم (420 مليون دولار)، سيخصص نحو 220 مليون دولار لتهيئة البنية التحتية للقطاع الزراعي والباقي سيذهب إلى تهيئة البنية التحتية لإيصال الماء الصالح للشرب.
وأشار المدير العام للمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب عبدالرحيم الحافظي في وقت سابق إلى أن المشروع سيوفر 150 ألف متر مكعب يوميا موجه للماء الصالح للشراب، وسيستفيد منه ما يناهز 1.6 مليون نسمة، كما سيعمل على تطوير القطاع الزراعي وكل ما يتعلق بإشكالية الري.
وأثار تأخر نزول الأمطار خلال المواسم الخمسة الأخيرة، القلق إزاء تحقيق نتائج هزيلة وارتفاع أسعار المواد الزراعية في الأسواق المحلية، لكن هطول الأمطار في الفترة الماضية بدد هذه المخاوف مؤقتا.
ويندرج مشروع محطة تحلية المياه في أغادير ضمن رؤية الملك محمد السادس لتأمين التزويد بالماء الشروب في كامل أنحاء البلاد، وكذلك في إطار البرنامج الوطني للتزويد بالماء الشروب ومياه السقي 2020-2027 باستثمارات تبلغ 115 مليار درهم (حوالي 12 مليار دولار).
ويتوخى البرنامج تعزيز الرصيد الوطني من المياه بإنجاز 20 سدا كبيرا بسعة 5.38 مليار متر مكعب، ما سيمكن من بلوغ سعة تخزين إجمالية تقارب 27.3 مليار متر مكعب.
ويتصاعد القلق داخل الأوساط الاقتصادية والشعبية المغربية على غرار بقية دول شمال أفريقيا من تداعيات موجة الجفاف، التي تجتاح المنطقة بشأن تداعياتها على السياسة الاقتصادية لحكومات الدول لتحفيز النمو وتأمين أمنها الغذائي.
ولطالما حذر المختصون من أن ندرة المياه ستكون مشكلة مزمنة إذا لم تتمكن السلطات من إيجاد حلول جذرية وعاجلة على المدى القريب لتطوير إمكانيات البلاد في تخزين المياه للابتعاد تدريجيا عن خط الفقر المائي.
ويعتمد المغرب بشكل كبير على الأمطار لتحقيق أمنه الغذائي، وسط تحذيرات من أن الاحتياطات المائية لن توفر الحاجات الأساسية لاقتصاد البلد وسكانه، البالغ عددهم قرابة 33.7 مليون نسمة، على المدى المتوسط والبعيد.
وكباقي دول شمال أفريقيا، يواجه المغرب شحا في المياه بسبب الجفاف ولذلك فإن العمل على بناء محطات تحلية مياه البحر سيكون أحد الحلول المستدامة لمواجهة الفقر المائي. وقال اعمارة إنه “استجابة للتحديات الراهنة سيتم الاعتماد على بناء السدود وتحلية مياه البحر ونجاعة استعمال الماء”.
ورغم دخول مشاريع تحلية مياه البحر حيز التشييد، لكن خبراء يعتقدون أنها ليست كافية لحل المشكلة التي يتوقع أن تزيد إذا ما واجهت البلاد أزمة جفاف جديدة.
وأنشأ المغرب أول محطة لتحلية مياه البحر عام 1976 بطرفاية جنوب البلاد بطاقة إنتاجية 70 مترا مكعبا في اليوم، اتبعها بمحطات بمدن أخرى من بينها بوجدور.
وكان الحافظي قد دشن في شهر مايو الماضي مشروع تحلية مياه البحر بإقليم الحسيمة بعد انتهاء التجارب الفنية عليها قبل دخولها الخدمة. ويهدف المشروع، وفق بيان للمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب أصدره في ذلك الوقت، إلى تعزيز تزويد مدينة الحسيمة والمراكز المجاورة بالماء الشروب بصبيب إضافي يبلغ حوالي 17 ألف و 280 مترا مكعبا يوميا.
وفي فبراير عام 2016، دشن الملك محمد السادس المرحلة الأولى من مشروع معمل لتحلية مياه البحر، المنجز باستثمار إجمالي تفوق قيمته 6.1 مليار درهم (670 مليون دولار) بالمركب الصناعي الجرف الأصفر.
وكان الديوان الملكي قد أعلن في أبريل من العام الماضي عن حزمة مشاريع تتضمن بناء 3 سدود في شمال البلاد استجابة للاحتياجات المتزايدة المتعلقة بالمياه بعد أن تزايد الطلب على المياه خلال السنوات القليلة الماضية، خصوصا في الشمال بسبب التوسع في المراكز الحضرية والنشاط الصناعي.
وبحسب الإحصائيات الرسمية، فإن المغرب يمتلك حوالي 23 مليار متر مكعب من المياه في المتوسط سنويا، ويبلغ العجز السنوي من نحو مليار متر مكعب.
وتصنف مؤسسات ومنظمات دولية المغرب ضمن البلدان التي تعاني من نقص شديد في المياه. وتحتل البلاد المركز الـ22 في قائمة للدول الأشد نقصا في المياه في تقرير أصدره العام الماضي المعهد الدولي للموارد الذي يراقب الموارد العالمية.
وقالت الأمم المتحدة مرارا إن أن ندرة المياه ستصبح مشكلة استراتيجية لدول شمال أفريقيا في حال لم تتمكن الحكومات من إيجاد حلول جذرية وعاجلة على المدى القريب لتطوير إمكانيات بلدانها في تخزين المياه للابتعاد تدريجيا عن خط الفقر المائي.